اتجاهات قراءة السيرة النبوية pdf

كتاب اتجاهات قراءة السيرة النبوية

الكاتب يقول: ليس من الممكن عمليا أن يعالج المؤرخ جميع النصوص والأحداث المتصلة بالموقف التاريخي بنفس الاهتمام. ذلك أن الخلاف حول إمكان موضوعية المؤرخ يكشف عن أن تجرده من عواطفه الخاصة، وانتمائه القومي أمر عسير؛ إذا تناول الكاتب ماضي أمته ونصيبها من الحضارة، وما حققت من ظفر، أو ما أصابها من وهن وانتكاس.

وقد تعددت مذاهب قراءة السيرة النبوية على مر العصور؛ ذلك أن الشخصية العظيمة تعطى كل قارئ ما يصبو إليه. فمحمد صلى الله عليه وسلم في نفسه عظيم وفقا لكل مقياس صحیح تقاس به العظمة عند بني الإنسان ومكان عظمته في التاريخ وأحداثه الباقية على تعاقب العصور أن التاريخ كله بعده متصل به مرهون بعمله كما يقول العقاد.

ونظرا لأن وعى المؤرخ بالماضي جزء متمم للعمل التاريخي الذي يقوم به، فليس هناك ماض للإنسان ما لم يتحقق له وعى ما بوجوده، ومثل هذا الوعي هو وحده الذي يجعل الحوار بين الماضي والحاضر ممكنا في عمل المؤرخ.

وهذا البحث يحاول الإجابة عن إمكان الموضوعية في قراءة السيرة النبوية، مفندا لبعض الرؤى التي قرأت هذه السيرة، أو مفسرًا لاتجاهاتها المختلفة، وفقًا لثقافة المؤرخ وعصره. ولابد من القول بأن الفضيلة التي تنبعث منها الصناعة التاريخية كلها هي محبة الحقيقة، فبفضل هذه الحقيقة يصبح التاريخ علما، كما يقول مؤرخو الحضارة على أن من حب الحقيقة أن يعلن الكاتب عن فلسفته الجمالية والأخلاقية والسياسية الخاصة، والتي تشكل في جملتها المجال الثقافي الذي يدور حوله تفسيره للتاريخ عامة، وللسيرة النبوية خاصة. وإذا كتبت سيرة النبي بذلك النوع من الحيدة، وحب الحقيقة اهتدت كل المذاهب واتفقت كل الرؤى – وإن اختلفت في بعض التفصيلات – حول عظمة الرسول ونبوته

وبعبارة أخرى: إن الحيدة أو الموضوعية في قراءة السيرة النبوية هي التي تبلغ الحقيقة ولن يحدث هذا إلا أن يصبح التاريخ علما له قواعده وضوابطه، وتحرراته من أهواء الذات. وذلك لم يحدث إلى اليوم، إلا فيما ندر من الأعمال، على الرغم من الدعوة إليه من زمن، وهذا يلفتنا حصري بالطبع إلى تعدد القراءات والمذاهب لأي بحث تاريخي، ونخص بذلك سيرة النبي المشرفة. ذلك لأن الخير كل الخير إنما يكون فى السير على هذا الدرب من الموضوعية، والنهل من قويم المنهج النبوى في الحق والعدالة.

ومع ذلك فإن الكتاب والمؤرخين والأدباء جميعهم قد طرقوا هذا الباب كل وفق ثقافته، وحسب مجاله الذي يعمل فيه، وسنرى من خلال فصول هذا البحث، مدى تأثر متناولى السيرة، بمعطيات عقلهم وثقافة مجتمعهم.

ففي الفصل الأول نعرض للقضايا الإنسانية والتربوية عند كتاب السيرة ففي رأى كثير منهم أن النبوءة جاءت في أساسها من أجل إصلاح الإنسان، وإحيائه الحياة اللائقة بأدميته وسنرى نماذج إنسانية للرسول صلى الله عليه وسلم وكيف تناولها كل مؤلف، وفقًا لرؤيته الخاصة. كما نسمو مع المربي العظيم والأخلاقى الأول وقدرته التي استطاع من خلالها أن يؤدب دولة، ويرقيها من درك الهمجية إلى قمة التحضر.

ونعرض في الفصل الثاني للقضايا الاجتماعية والاقتصادية التي تناولها كتاب السيرة، وهذا المبحث يختص بكيفية نهوض النبي بالمجتمع الإنسانى فى مجمله، وبأفراده، أزواجا، وأبناء وأصحابًا، وأعداء. وجميع البشر. وسنرى رؤى الكتاب لهذا النبى كرائد من رواد الإصلاح الاجتماعي، ومن وجده اقتصاديًا حكيما استطاع أن يعفى دولته من الحاجة، وأن ينشئ نظاما فريدا يحقق التكافل والاكتفاء.

وفي الفصل الثالث نعرض للقضايا السياسية فى السيرة النبوية. فقد رآه الكتاب سياسيا قديرًا وهب من الذكاء الفطرى، والحكمة الفياضة، وبعد النظر ما يقصر عنه كل وصف، كما نعرض للرأي الآخر الذي يراه نبيًا فقط، وإن إدارة دولته وسياسة أمورها ليس قاعدة لازمة تتبع، باعتبارها من أمر النبوة، وأن لا علاقة بين السياسة والدين. وأن دولة الإسلام إنما أقيمت كملك شخصي، لا كأمر إلهى بإقامة كلمة الله في الأرض.

وفي الفصل الرابع نتناول القضايا الفكرية التي عرض لها بعض كتاب السيرة، كمحمد حسين هيكل، ونعرض للموضوعية التي التزم بها كاتب مسيحى فى موضوعات السيرة – نظمى لوقا وتتواجه آراء الكتاب فى الموضوع الواحد فتختلف، فالإسراء والمعراج، وتعدد الزوجات، والوحى إلى غير ذلك من القضايا العقدية والاجتماعية وغيرها قد تناولها المفكرون باختلاف في الرؤية التي تنعكس على تفسيرهم لقضايا السيرة وحكمتها النبوية، وحتى في انتقاء الكتاب لموضوعات معينة من سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم نجدها متباينة فهذا يختار موضوعا معينا، وآخر ينتقي غيره.

وفي الفصل الأخير نتناول قضايا الأدب في السيرة النبوية، ونخص الأدب في ثوبه النثري من قصة، ورواية، ومسرحية . وفي كل لون من هذه الألوان الأدبية نجد تأثر الأديب بثقافته الخاصة؛ مما يعطينا إشعاعًا لا ينقطع من السيرة النبوية فهي حقا مادة ثرة للفن والأدب، ومادة ثرة للسياسة والاجتماع والأخلاق والفكر.

وقد ظهر أثناء إعداد هذه الرسالة للطبع كتاب شغل الرأي العام هو كتاب القس جورج بوش (١٧٩٦م – ١٨٥٩م، تحت اسم «حياة محمد مؤسس الدين الإسلامي ومؤسس إمبراطورية المسلمين (*) ومع إن الكتاب لا يدخل ضمن المصادر الأساسية لهذه الدراسة التي لم تهتم بالدراسات الاستشراقية، والتي اكتفت بمعالجة الأعمال التي كتبها مؤلفون مصريون ومفكرون إسلاميون محاولة تبيين هذا في تأويل السيرة. غير أن الضرورة قد تقتضى أن نعرض ما أثارته ترجمة هذا الكتاب من جدل بين المؤيدين والمعارضين فالمترجم يقول في أول تقرير له إن الكتاب يمثل افتراءات واضحة وتشكيك متعمد لسيرة الرسول حيث إن مؤلفه اعتمد على مراجع عربية ويونانية ولاتينية وتأثر بالكتابات المعادية للإسلام ويقول د/ عبد الرحمن الشيخ مترجم النسخة الأصلية طبعة ١٨٤٤م إن مؤلفات (بوش) تتعرض للإسلام، والقضية الفلسطينية من وجهة نظر توراتية؛ وذلك المذهب

الديني لـ «جورج الجد هو نفس مذهب الرئيس الأمريكي الحالي وهو الأصولية المسيحية. والرأي المعارض لنشر هذه التجربة يقول لماذا تتم الموافقة على تداول الكتاب بالرغم من التحفظ عليه والاعتراف بان به مغالطات واضحة خاصة في تشكيكه للإسراء والمعراج ودوافع تحويل القبلة، ووصف زوجات الرسول بالمحظيات؟

وهناك من جهة أخرى توصية بتداول الكتاب حيث إنه لا ينكر ما هو معلوم من الإسلام بالضرورة، كما أنه أورد العديد من الحقائق الدينية والاجتماعية للدين الإسلامي وشخصية الرسول الذي وصفه بالشخصية الفذة. ضرورة الرد على الملاحظات السلبية التي وردت بالكتاب حيث لا يتم التداول بدون هذه الملاحظات النقدية.

لقراءة المزيد عن كتاب اتجاهات قراءة السيرة النبوية بدف انقر على زر التنزيل أدناه للحصول عليه مجانًا

فيديوهات ذات الصلة من يوتوب